فضفضة



مش عارفة ابدأ منين ولا المفروض اصلا ابدأ ولا لأ ، الفكرة انه لو فيه ولو فرصة واحدة الواحد يقدر يتكلم فيها من غير ماحد يقاطعه ولا يسفه من كلامه ولا يتمنظر وينظّر عليه بشوية معلومات المفروض مايضيعهاش ،، ودة اللى هاحاول اعمله من هنا ورايح ، من غير اتكسف من جهلى ولا قناعاتى الشخصية اللى بتنط فى وسط الكلام .

انا ربنا ادانى كنز ومدينى فرصة انهل منه قد ما اقدر واتعلم منه..امى .. المرأة التى تجاوزت السبعين وابتلاها الله بالزهايمر والشلل الرعاش ، هو ابتلاء فى ظاهره ولكن فى باطنه مجموعة من الاختبارات يترقى بعدها المبتلى به الى مصاف الانبياء فى صبرهم وتسليمهم بالقدر.. ايوة انا باشوف امى كدة - هى تتألم كثيرا ولكن لاتتكلم ولا تقول كلمة آه ولا احد يعرف مابها هى..لا يفرقها عن الاموات سوى انفاس لم تخونها يوما مثل ما خانتها باقى اعضائها وذهبت الى غير رجعة.. اللهم حبّ لقائها
عشت معاها كل مراحل عجزها واحدة تلو الاخرى من فقدان التركيز لفقدان القدرة على المشى لتصلب باقى عضلاتها تباعا..حتى فقد كامل ذهنها و ادراكها - خرف ذهنى كامل ولكن قلبها لم يفقد عقله بعد..تخيلوا بقى لسة بتحبنى وبتخاف عليا وبتستنانى اصبح عليها واضحك فى وشها و ارغى معاها - وإن كان دة بيقطع روحى - لانى باحس انها نفسها ترد عليا لكن العجز بيخرسها ،، ودة بالتبعية بيخرسنى ومش باقدر اكمل حواراتى معاها لانى باحس بانى باشعرها بعجزها اكتر.. ومن عجزها لعجزى واهى ماشية ايام اعجز مننا اصلا لانها لاتملك القدرة على شفائنا ولا منحنا الصبر..

فيه كدة خبرات فى حياة الواحد بتبقى عاملة اللسعة او الحرق فى الروح مش فى الجلد..صحيح الوقت بيعالجها لكن ندبات الروح ملهاش عمليات تجميل ، بتعدى وبتفضل زى الخلفية لكل احداث حياتك تحكم على كل حدث وتعيشه والخلفية دى مسيطرة عليك
انا مش فاضية احزن.. الدوامة واخدانى وتفاصيل يومها المتحجر ويومى اللى بيعانى معاها مش مديانى رفاهية الحزن ، ايوة حتى الحزن رفاهية.. بس عارفة انى هاحزن باثر رجعى.. هابدأ يومى من بعدها بفقرة من الحزن ويمكن اختمه بيها..دة غير الفقرات اللى ممكن تتعرض فى اثناء اى موقف افتقدها فيه حتى وهى على فراش المرض

الفكرة ان مرضها دة ادانى فرصه اقابل نفسى بما انى سبت شغلى وقعدتلها ف البيت.. بعد عشرين سنة شغل اخيرا قابلت نفسى.. واتعرفت عليها اكتر من ساعة ما دخلت تويتر المنيل بستين نيلة دة ، قابلتها واكتشفتها وهربت منها احيانا واستغربتها وعجبتنى فى اوقات كتير.. اكتشفت انى مش بس باعرف احس لا دة انا كمان باعرف اوصل اللى حاساه دة ودى مش قدرات متاحة لناس كتير!

تجربة مرض امى حقيقى غنية جدا ليها وليا.. القصة مش مرض وشيخوخة وذهن غاب.. ولا هى انى باتعامل مع طفلة فوق السبعين هى الحقيقة طفلة من ذوى الاحتياجات الخاصة وفى نفس الوقت هى لازالت تحمل كل ملامح امى التى كنت دائما وابدا احتاجها واحب حكمة وجهها ، ودفء صوتها وهو يمنحنى النصيحة الحقة.
تحجرت دموعى من اول ما تمكن منها المرض.. شمرت عن ساعديى وتعاملت كمنقذة وحيدة ومافيش غيرها.. واكتشفت انى وانا باديها كل حاجة الحقيقة باخد منها برضه كل حاجة.. باخد منها الرضا بكل نعم الدنيا وهو دة كل حاجة.

الناس فاهمة ان الزهايمر نسيان.. الزهايمر حياة بطعم الموت - اظن معظمنا جرب طعم كل حاجة الا طعم الموت اطال الله عمركوا ولا اراكم اى مكروه.
انك تبقى راضى على كل اللى قادر تعمله وحتى اللى مش قادر تعمله بس مش مضطر تخلى غيرك يعملهولك..
انك تبقى راضى انك بتتقلب فى سريرك وبتفرك من الزهق..تخيل حتى دى نعمة
انك تبقى راضى انك تتألم اقسى انواع الالم وتصرخ او حتى تتأوه من المك فيسمعك حد او حتى مايسمعكش بس تبقى فرغت فى الصرخة جزء من المك دة
انك تبقى راضى ان الصبح يطلع عليك يمكن اللى مقدرتش عليه امبارح تقدر عليه النهاردة.. مش بتتمنى الصبح يطلع ميلاقيكش وتقوله اخيرا ارتحت منك ومن عجزى قدام تكرارك السخيف .
انك حاجات كتير مش فاكراها من كتر ما انا عايشاها.. بس كلمة الرضا بتلخصها

الحقيقة انا باشوف ان امى هى اللى بطلة مش انا ، هى اللى قدرت تورى ربنا انها قوية بما يكفى انها تستحمل كل دة ، وسبحانه وتعالى قادر بعد ما يشيل عنها الذنوب اللى قلما عملتها هنبدأ فى مرحلة رفع الدرجات.. ساعات بقولها انتى تفرقى ايه عن نبى الصبر ايوب - معلش استحملونى - الالام واستحملت ، عجز وشالت ، حتى تعبيرها عن الالم اتحرمت منه.. انا ساعات باتوقع انها موجوعة وابتدى اعالجها ذاتيا..معادش فيه طبيب قادر يفهم وجعها ويحسه.. ساعات ربنا بيدخلنى عليها عشان اسقيها واحس انها كانت عطشانة .. تخيل .. حتى القطة بتنونو عشان تفهمك هى عاوزة ايه يبقى بالذمة مين فينا البطل

الخلاصة ان كل كلمات المواساة والصبر وشد الأزر بدأت تتكرر لدرجة انها بقت زى الاسمايل فيس اللى بنعمله على كل حواراتنا ، ووصلنا معاها لمرحلة اننا ممكن احنا اللى نرفقها بكل حكاياتنا واحنا بنحكيها عشان نوفر على اللى بيسمعنا انه يقولها - اهو تغيير برضه - يعنى انا مثلا وانا باحكى لحد باقوله بعد ما اخلص اية طبعا دة كله فى ميزان حسناتى وكدة.. بس فى النهاية بتبقى حكاية وخلصت و كلمتين شد حيل واتقالوا..
مابيحسش بالنار الا اللى كابشها ولا بيحس بوجع القلوب الا اللى خالقها فمتحاولش تخلى تعاطفك مع اى حد يوصل لمرحلة الابتذال.
اه و حاولوا تعيشوا حياة بطعم الحياة  قبل ما تعيشوا حياة بطعم الموت

           ودائما وابدا ... طوبى للشهداء اللى عايشين  موت بطعم الحياة